أعرف الآن جميع الأمكنة

وأقتفي آثار ذكرانا

ولا أرى وجهك

لقد انزاحت دقائق الساعات 

في عجل

وتغيّرت الأزمنة

حملت شمعتي المظلمة

ونزلت إلى القبو المنير!

في حصار شديد 

تتحسّر أنت هناك

وأنسج أنا ثوب الأمل:

نصر من الله وفتح قريب

لعلّي في المستقبل سأضحك

لعلّك أيضاً ستضحك

ويشتدّ الحصار

ويزداد الاختناق

وتتسع الهوّة الزمكانيّة 

ما بينهما

ويستحيل اللقاء رماداً

ركاماً...حطاماً

ولكنّ وصال الروح 

لا ينقطع بالبعد 

بل يكبر ويتّسع...

غادرت أمّي الحياة 

لأموت أنا، لأولد أنا!!

نعم حينها ماتت 

كلّ سعادتي

أحلامي التي رسمتها معها

وانْهار سقف البيت

والقلب الرحيم

حيرة

وبعد الحيرة همّ

وبعد الهمّ

عشرة من جحيم!

وولدت أنا

لأنني كنت في الواجهة

حينها عرفت قسوة الحياة 

دون أمّ

بل حينها فقط تعرّفت 

على الوجه الحقيقيّ 

للحياة القذرة

ولأولئك الأوغاد 

الذين كانوا من حولنا

شيء صعب جدّاً 

أن تكون في مهبّ الريح 

لوحدك

لا دعم، لا سند

لا قوّة تدفعك للأمام

وأنت تتحدى 

وأنت وحدك تقاوم

حين تموت الأم ّ

يموت معها الدفء 

الحنان والأمان

يموت معها ذاك الإنسان 

الذي دوماً يسأل عنك

يموت معها ذاك القلب 

الذي دوماً ينبض لك

يموت معها ذاك الفؤاد 

الذي دوماً يخاف عليك

حين تموت الأمّ

تموت معها 

كلّ معاني الإنسانيّة

وتبقى الإنسانيّة الجوفاء

في كلّ ليلة من هذا الشهر 

أطفئ نور غرفتي 

لتشتعل النيران في مهجتي

فراشي الألم

وسادتي الوجع

غطائي الألم

وسريري لظى الأحزان

في غرفة من دموع

سقفها آهات

حيطانها تنهيدات

تعبت أنا 

وذاك الحزن لم يتعب

وهنت أنا 

وذاك الجرح لم يلتئم

هرمت أنا 

وذاك النزف لم يتوقّف

لا تعزّوني

لا عليكم فأنا بخير

وكلماتكم الجوفاء 

الباهتة التافهة

لا تعزّيني

ومجاملاتكم 

لا تعنيني

مازال الجرح جديداً 

كأنّكِ اليوم متّ

ومازال النزف مستمرّاً 

كأنّك الآن غادرت...


تم عمل هذا الموقع بواسطة