دقّت الساعة للسفر، وسمعت من بعيد صوت صفير القطار. 

كانت منشغلة بجوّالها تلقي بين الفينة والأخرى نظراتها عليه ثمّ تعيده إلى جيبها، ثم تخرجه لتتأكد من أنّه ليس على وضع صامت رغم أنّها تأكّدت عشرات المرّات. 

كانت تلك مجرد حجّة لتتيقّن أنّه لم يتصل بها أحد أو لم تسمع رنين الهاتف من الضوضاء التي كانت في محطة القطار.

كم هو مرهق وحزين هذا الشعو؛ إنها تنتظر بلهفة وشوق وحنين أن يتفقّدها أحدهم قبل السفر، أو أن يودّعها أحد قبل الرحيل، فقد كانت خائفة ومتوترة جداً وحزينة للغاية فدقائق الانتظار تنحر الإنسان من الوريد الى الوريد.

وأخيراً قررت إخراج الهاتف وكتابة رسالة خاصة ومميّزة جداً، كتبتها بسرعة فائقة ثم قامت بحذفها، ربما لن يقرأ، أو ربما ليس مهتمّاً، أو ربما لن يأتي، ولكنّ الأكيد أنّه لو كان يريد توديعي لودّعني!.

قامت بحذف الرسالة كلّها، فالكتابة لا تردّ الغائبين، والرسالة لا تجلب الغاضبين، ثم تنفّست بعمق ودمعة تخنقها وغصّة تقتلها وقالت في نفسها:

أنا لست راضية عمّا يحدث ولكنني لست غاضبة أيضاً. يكفي أنّ كلّ ما حدث كان قدراً، وسأدخل من الآن فصاعداً في عزلة أبديّة لا حبّ فيها ولا انتظارَ ولا حتى تفكيرَ؛ عزلة حتى أتعافى من الحزن المستوطن أعماقي، ومن الخراب الذي خلّفته بداخلي، ومن الخنجر الذي أغمدته في صدري، تبّاً لك وتبّاً لي وتبّاّ للحبّ وللعشّاق جميعاً، ثمّ ركبت القطار بكلّ بساطة وذهبت في رحلة بلا أوبة.


تم عمل هذا الموقع بواسطة