بنيت أحلاماً كثيرة فجاء غيري وعاشها ونخرت الذكريات روحي فعاثت فساداً فيها، ومن على شرفة الوجع كنت واقفة أطلّ في ألم، أنظر إلى زمن ولّى ولن يعود، أودّع في صمت مواكب المارّين الواحد تلو الآخر في عزاء مستمرّ، كنت أودّع الأحبّة الكرام واحداً بعد الآخر، كان الذاهب منهم لا يعود والآيب منهم لا يرى.

وأنا على نفس الشرفة تمرّ الساعات كما تبدو ـ الهوينا فالهويناـ ولكنّها كانت تدهس عمري على عجل دون أن أحسّ، كان العمر الجميل يمرّ كمرّ السحاب، كانت أسمى أمانيّ قطعة حلوى من عند أبي العائد من عمله أو دمية تخِيطها لي أمّي، ولكنّ العمر مرّ سريعاً فوخط الشيب شعر أبي ووافت المنيّة أمّي، وماتت نكهة الحلوى بثغري، وتلاشت لمّة العائلة الكبرى بتلاشي جسد أمّي واستوطنت الأحزان قلوبنا الصغيرة جداً حتى بلغت بها إلى الحناجر. 

لم أك يوماً أظنّ أنّ في تلك الإطلالة على شرفة الوجع سيمرّ العمر مرور القطار السريع بلا أوبة!!

دخلت غرفتي مذعورة وأوقفت البندول على عجل فقد باتت دقّات الساعة تنحرني ورقصات الثواني ترعبني وتلك الدقائق تقتلني، ولم يعد للعيد نكهة، ولا للعمر بهجة ولا للفرح في عمري لحظة، فشرفة الوجع كانت إيذاناً لبداية حياة كلّها أوجاع.


تم عمل هذا الموقع بواسطة