في كلّ ليلة أحاول أن أغفو فيها، أجد نفسي أتقلّب في فراشي وكأنني افترشت الجمر، فيأتي كلّ ما يقضّ مضجعي ويفسد ليلتي؛ الجرح والأحزان ضيوفي في كلّ ليلة، والقمر يطلّ من نافذة غرفتي خجلاً يحاول أن يؤنس قلبي لكنّه يجد الدموع قد سبقته، فتغرق جفوني في البلل ومعها مخدّتي وسادة من دموع تلك التي أتوسّدها كلّ ليلة، وفراش من أحزان ذاك الذي أفترشه، وغطاء من ألم ذاك الذي ألتحف به عند كلّ نكسة، فأنام بجفون مكسّرة وكلمات مبعثرة ونبضات متعبة لأستيقظ فجر اليوم التالي وكأنّ شيئاً لم يكن؛ لأنّ لي ربّاً جبّاراً أدعوه بعد كلّ طعنة: اللهمّ جبراً لقلبي وروحي المثخنين من طعنات هذه الحياة.
أستقبل الصباح فأقول: أيتها الشمس يا أخت الظلّ، يا من تعانقين الظلام قبل إشراقتك وتلتحفين به عند الغروب، يا من تؤنسين البشر في كلّ يوم، وتعانقين في شغف أحلامنا وآمالنا وطموحاتنا، كم عشقناك ونحن صغار نرمي إليك بضرس بشريّة صغيرة لتردّي إلينا ضرساً من ذهب كما تقول أساطيرنا المنسيّة، وكم كنّا نحزن حين تغربين، فقد كنت بمثابة ضيف عزيز غالٍ يحمل حقائبه فجأة ليغادرنا بلا أوبة بركب المساء مخلّفاً في مهجنا جراحات لا تلتئم.
ها أنت اليوم تذهبين مثله بلا أوبة وبلا عودة وبلا وداع وبلا آخر عناق، وبلا رغبة منك في البقاء رغم تعلّقنا بك، ودّعتك أيضاً أيتها الشمس بأنغام حزينة، ورسالة أخيرة وقبلة منتهية الصلاحيّة وقلب يملأه الصديد.
أيّ حزن هذا الذي خلّفته بمدينة عينيّ وأيّ وجع هذا الذي تركته في قسمات وجهي حتى بدت الحيرة نصف ملامحي وأيّ تعب هذا الذي زرعته بين ثنايا روحي ورحلت في صمت مطبق؟؟!.
صار الليل ألطف منك؛ فالمجد والخلود إذن لسواد الليل ودموع الليل.